علم نفس:الصور النمطية قد تؤدي إلى الانتحار

الصور النمطية في علم النفس هي تلك المعتقدات التي يتبنها الأنسان عن مجموعة من البشر ويقوم بتصنيفهم كمجموعة وليس كأفراد بينهم اختلافات جوهرية. الصور النمطية لديها مخاطر كثيرة واعتمادنا عليها في حياتنا اليومية قد يحدث كوارث.، دعونا نتعرف أولاً هل من الممكن أن تكون الصور النمطية دقيقة وصحيحة في بعض الأحيان؟

الإجابة على هذا السؤال قد تكون معقدة نوعا ما ، في الواقع لا يوجد إجابة واحدة لهذا السؤال وإنما عدة إجابات. مثلاً إذا كان لديك صورة نمطية عن المواطنون الذين ينتمون إلى بلد ما، بكونهم وقحين أو يتمتعون بالقسوة والبرود، وشاءت الأقدار أن تتعامل مع أحدهم يوماً، ماذا ستفعل؟

بالطبع ستتعامل معه بجفاف وقسوة وهو الآخر سيبادرك نفس المعاملة كردة فعل. وفي هذه الحالة سيكون هذا الشخص كما توقعت أنت تماماً، ولكن في هذه الحالة أيضاً تعاملك بجفاف وقسوة كان هو المسبب وليس العكس. إذا تأملت حياتك اليومية عن كثب ستجد أن هذا الموقف يحدث كثيرا وتلقائياً ولكننا لا ننتبه له.

في قليل من الأحيان تثبت الصور النمطية صحتها مثل الحال في الصورة النمطية المشهورة عن شغف الفتيان بالسيارات والشاحنات وحب الفتيات للدمى، كان يعتقد البعض وأنا منهم أن هذه صورة نمطية وهمية ولكن قام العلماء بتجربة على الأطفال بوضعهم في غرفة مع بعض الألعاب المتنوعة من سيارات ودمى وتركوا كل طفل يختار ما يشاء، أختار الفتيان السيارات واختارت الفتيات الدمي. أرجع العلماء في البداية هذه النتيجة للتأثيرات التي تحدث على الطفل من جانب الأهل والمجتمع، فقاموا بعمل نفس التجربة مرة أخرى لكن هذه المرة على أطفال القردة الذين لم يتم التأثير عليهم بأي شكل ووجدوا نفس النتيجة، أعادوا التجربة مرة أخرى كانت نفس النتيجة أيضاً، وانتصرت الصورة النمطية هذه المرة.

هذا لا يعني أن تكويننا لصور نمطية شيء حميد فأضرارها أكثر بكثير من منافعها، وتتجلى هذه الاضرار في صورة أخرى خطورتها تظهر على المدى البعيد وهي عندما تقتنع جماعة ما  بالصورة النمطية التي كونها المجتمع عنها، مثل الاقتناع السائد عن الفتيات اللاتي يتمتعن بمظهر خارجي جذاب بأنهم أغبياء أو سطحيات وهذا ناتج في كثير من الأحيان من التعليقات التي تسمعها تلك الفتيات طوال حياتها مثل أنت أجمل من أبنة خالتك وسيأتي الكثير من العرسان لخطبتك ،فتشعر الفتاة بالتفوق على الأخريات بسبب هذه الصفة ويصبح مظهرها الخارجي هو مصدر ثقتها بنفسها فتعطيه الاهتمام الأكبر وتهمل الأشياء الأخرى فتتحقق نبوءة القولبة بطريقة ما. وهناك حالة أخرى أكثر خطورة وهي تعزيز فكرة أن الرجل لا يبكي في أذهان الفتيان فيتعلم الفتى كبح مشاعره وعدم التعبير عنها مع الوقت. ويكون تأثير هذا مروع، إحصائيات الاكتئاب توضح أن النساء أكثر عرضه للإصابة بالاكتئاب من الرجال وتحاول الأنتحار أكثر من الرجال – وهذا قد يكون متناسق مع الصورة النمطية- ولكن الجزء المخيف هو أن الرجال المصابة بالاكتئاب أكثر عرضه للنجاح في محاولة الانتحار من النساء، لأن الرجل الذي يقرر الانتحار لا يحدث أي ضجيج حوله ،بمعنى أن هذا الرجل يمارس يومه بطريقة روتينية عادية ثم يذهب إلى غرفته ليلاً ليقوم بشنق نفسه، هكذا في صمت.

 

للدماغ طريقة غريبة في حماية معتقدتها ،إذا تعرض أحدنا إلى موقف يتعارض مع الصورة النمطية التي يتبنها ،مثلاً إذا رأى أحدهم فتاة تتغلب على فتى في أحد الرياضات الجسدية، عقله يقنعه أن هذا موقف عارض وليس أمراً شائعاً ثم يبدأ باختلاق أسباب لحدوث ذلك مثل الحظ أو أي دافع شخصي لدى هذه الفتاة تحديدا. وبهذه الطريقة يستطيع الأنسان الحفاظ على الصورة النمطية وحمايتها.

وليس هذا فقط، هل لاحظت أن بعض الأشخاص يحتفظون بصور نمطية سلبية عن مجموعة ما، بالرغم من إعجابهم بفرد ينتمي إلى هذه المجموعة؟

كما هو الحال في المرأة العاملة التي تعتمد على نفسها كلياً، بعض الأشخاص في مجتمعنا يرون أن هذا النوع من النساء معقد أو يتظاهر بالقوة فقط ومن داخله ممزق، وفي نفس الوقت يمكن أن يكون أحد هؤلاء الأشخاص أصحاب الصورة النمطية على علاقة مقربة من مرأة عاملة بعينها ويرى أنها شخص مجتهد ومثابر على عكس صورته النمطية عن جماعتها ،وبالرغم من ذلك يحتفظ بالصورة النمطية وإذا سألته عن أسبابه ستكون الإجابة جاهزة “هذه المرأة مختلفة عن بقية النساء العاملة المعقدة”. وبالطبع هذا ليس المثال الوحيد، هناك أمثلة أخرى لا تخص النساء حتى ،أبحث في جعبتك ستجد المزيد .

 

مشكلة الصور النمطية أنها لا تتأثر بمستواك المادي، الاجتماعي أو التعليمي فهي تحدث تلقائياً دون نية مسبقة منك. وهذا بسبب أنتشارها حولنا بصورة كبيرة، فأنت تتعرض لها يومياً من خلال وسائل الأعلام، شبكات التواصل الاجتماعي أو الصحف. أحد أسباب استخدام الصور النمطية هو عندما يشعر الأنسان بتهديد تجاه ثقته بنفسه فيحاول حمايته من خلال تبني صور نمطية سلبية عن الأخريين فيشعر أنه أفضل. وفي هذا السياق قام العلماء بتجربة على بعض طلاب الطب بكندا وهي أن يقدم لهم طبيب أسمر البشرة المديح والامتنان على ما قدموه من عمل وبعدها يقوموا بسؤال الطلبة عن رأيهم بهذا الطبيب الأسمر ،فكانت أغلب الإجابات إيجابية وذلك نتيجة لميل الأنسان بالاعتقاد أن الشخص الذي يقدم له المديح ذكي وناجح ،وعندما تم عكس التجربة وقدم لهم الطبيب النقد بدل من المديح ،أظهر الطلاب بعض التعليقات النمطية السلبية عن كون الطبيب أسمر البشرة.

 كيف نتخلص من الصور النمطية يمكنك القول حسناً ،سأبذل قصارى جهدي كي لا أفكر بصورة نمطية. ولكن للأسف هذا سيجعل الأمر أسوء، مثلما يقوم أحدهم بحمية غذائية ويقرر ألا يفكر في الأكل فيجد أن لا شيء يأتي بباله سوى الأكل. في بعض الأحيان عندما يحاول البعض فعل ذلك تحدث نتيجة عكسية مثل تعامل المعلم مع الطلاب ذوي البشرة السمراء بطريقة أفضل من الأطفال الأخريين وهذا أيضاً تمييز على حسب العرق ولكن في الاتجاه المعاكس. وعندما يتقدم الأنسان بالسن أيضاً تصبح قدرته على التخلص من القولبة أو كبحها أصعب وأصعب، ولكن هل هذا يعني أننا لا نستطيع الخلاص منها على الأطلاق؟

ليس بالضرورة، توصل العلماء إلى بعض الحلول التي أثبتت فاعليتها ومنها أن الأشخاص الذين يسعون ليكونوا أكثر عدلاً في حياتهم عامة ويؤمنون بالمساواة أقل عرضه من غيرهم في تكوين القوالب. واكتشفوا حل آخر أكثر بساطة ، فقط تعرف على المجموعة الأخرى كأشخاص، أعط نفسك الفرصة برؤيته كل شخص بها كفرد مستقل بذاته ،حينها ستكتشف الكثير من الاختلافات بينهم والكثير من التشابه بينك وبينهم